الفصل السابع: وأخيراً لا كلام يعيد ثلاثة فرسان ترجلوا

 

لا تراب يحتضن الأبطال

استَنْفَرَ القوميون الاجتماعيون أو استُنفِروا لا فرق، فالذي حدث قد حدث، واستشهد أمينان وصبية في لحظة واحدة، وبات الهم كيف نلملم الجراح، وأين يدفن الشهداء.

بشير الذي اعتاد قرع أجراس كنائس بيت شباب عند استشهاد أي قومي اجتماعي، “منع الكتائب يوم إعلان خبر استشهاده قرع جرس أي كنيسة في بلدته حزناً عليه، ومنع أهله من دفنه في مدافن العائلة. حتى ناهية، وأعمامها كتائبيون، اشْتُرِطَ أن تدفن وحيدة ومن دون جناز أو إقامة صلاة عن روحها.” 1

الأمين الدكتور كمال خير بك، والأديب والشاعر ابن القرداحة، اشترطَ عرض رئاسي شامي “أن ينقل جثمانه إلى مسقط رأسه بصمت، وبمرافقة عشرين من أفراد العائلة فقط، على أن تزود السلطات مسبقاً بأسماء الحضور، وأن لا يقام احتفال تأبيني ولا تلقى كلمات رثاء.” 2

هذه الشروط حتمت دفن الشهداء في “المنطقة الوطنية”. يقول الدكتور سمير صباغ: “صباح يوم الدفن حضر إلى منزلي باكراً كل من حسين القوتلي من دار الفتوى والشيخ خليل الميس، ونقلا لي كلاماً، أنه مراعاة للخواطر (خواطر المسلمين) من غير المسموح دفن مسيحيين في مقابر الشهداء، ولماذا لا يدفن بشير وابنة أخته في بلدتهم، وسأل الميس: والثالث من أي طائفة؟ أخبرته أنه علوي من سوريا فرفض رفضاً قاطعاً، وقال من المستحيل دفن علوي عندنا.”

“كما علمت أن ابراهيم (قليلات) اتصل ب “أبو عمار” من الجزائر رافضاً دفنهم في مدافن بيروت، فهؤلاء قوميون غرباء، حسب رأيه، عندها اقترحنا مقبرة الفلسطينيين فرفض أيضاً، وبعدها دبرها أبو عمار وقال في مار الياس بطينا (وهذا طبعاً لم يحدث). ودفنوا فيما بعد في مقبرة الشهداء الفلسطينيين.” 3

كما تذكر خزامى قاصوف أن: “علي خير بك حمل برقية تعزية من الرئيس حافظ الأسد وفيها أن كمال ابن القرداحة وسيدفن في بلدته، على أن يُلْتَزمْ بالشروط، رفضت عرض دفن كمال في القرداحة بهذه الطريقة، واستنكرت هذا الطلب، لأن أهلي وحدهم أكثر من عشرين شخصاً، وهذا كمال خير بك المناضل الكبير هل يعقل هذا الطلب؟ وفي هذه الأثناء دخل أبو عمار معزياً، (وهو على خلاف مع حافظ الأسد)، فتقدمت منه وجلست إلى جانبه وأخبرته أن كمال طالما أوصى أن يدفن إلى جانب فؤاد الشمالي في مدافن الشهداء، فقال لها الآن تطلبين ذلك والأمر يحتاج إلى ترتيب، وقد حدد موعد الدفن فقالت له يؤجل حتى تجري الترتيبات اللازمة، وعاتبته لأنه لم يجب على الاتصالات العديدة، فاحتج أنه كان في اجتماع، وحاول التملص لصعوبة تأمين ثلاثة مدافن فأصريت على موقفي، على أن يعاد بناء مدفن فؤاد لتكون المدافن الأربعة مشابهة، وأعطيته الأبيات الشعرية التي كتبها كمال لفؤاد حتى توضع على ضريحه:

“لا تقولوا مات صوت الشاعر الحر الغريب

قبل أن ينتشر في الأرض حريقه

لا تقولوا مات لم يكمل طريقه

ها رفاقي حملوا عني الصليب”

 وهكذا كان بنيت الأضرحة الأربعة متشابهة ووضع شعر كمال على مدفن فؤاد.” 4

 

قالوا كلهم والنتيجة واحدة… اغتيل الثلاثة

صدر عن عمدة الإذاعة:

“حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر اليوم كان الرفيق سائق سيارة عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين بشير عبيد يمر بالسيارة في إحدى طرقات العاصمة دون أن يكون فيها الأمين عبيد، حين اعترضتها سيارة لم يعرف السائق من بداخلها وحاول سائقها إرغامه على التراجع إلى الخلف، فلما لم يمتثل له نزل من سيارته وشهر سلاحه وأطلق عليه رصاصتين اخترقتا السيارة، مما حدا بالرفيق سائق سيارة الأمين بشير عبيد إلى الدفاع عن نفسه مستخدماً سلاحه بدوره وأثناء تبادل اطلاق النار قتل سائق السيارة المعتدي الذي تبيّن فيما بعد أنه أحد عناصر المرابطون ويدعى منير فتحة .

وعلى الأثر وما إن علمت قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي بالحادث اتصلت فوراً بقيادة المرابطون وعلى وجه التخصيص بالسيدين سمير صباغ وحسن حبال وأبلغتهما أنّ الرفيق الذي حصل معه الحادث قد أعتقل من قبل الحزب وأنه تمّ الاتصال بقوات الردع لتسليمه اليها أو للجنة الأمنية العليا وفق ما ترتئيه، وأبدى رئيس الحزب ومسؤولوه في الاتصالات المتكررة التي أجروها بالمرابطون أسفهم للحادث. ومناشدتهم لقيادة المرابطون بالعمل على تطويقه وحصره منعاً لأية مضاعفات مؤذية للساحة الوطنية، ولعلاقات الطرفين، في هذا الظرف الدقيق.

ولكن مسؤولي المرابطون تجاهلوا كل هذه الاتصالات لتدارك مضاعفات الحادث وحصر ذيوله فقامت مجموعات من المرابطون بتطويق منزل الأمين بشير عبيد وأمطرته بوابل من الرصاص والقذائف ثم اقتحمته فاستسلم لها الأمينان بشير عبيد وكمال خير بك فقام المرابطون بتصفيتهما على مشهد ممن في البيت من نساء وأطفال. ولم يكتف مسلحو المرابطون بذلك بل أقدموا على إطلاق النار على ابنة شقيقة الأمين بشير عبيد ناهية بجاني فاستشهدت فوراً. كما أقدم المرابطون على اقتحام المكتب العسكري للحركة الوطنية مقابل جامع عبد الناصر حيث أسروا رفيقين من القوة المشتركة هما سمير عبد الصمد وعلي مشورب وأطلقوا النار عليهما فأصابوهما إصابات بليغة نقلا على أثرها وبعد تدخل قيادات الحركة الوطنية والأمين العام التنفيذي للمجلس السياسي للحركة الوطنية إلى مستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية بحالة الخطر الشديد.

إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يدين هذه الجريمة النكراء وأسلوب التعامل البربري الذي أودى بحياة الشهيدين الأمينين بشير عبيد وكمال خير بك ويعتبر ما حصل وصمة عار في جبين الجبهة التي ارتكبت هذه الجريمة الشنعاء بحق مناضلين كبيرين صرفا حياتهما في النضال القومي والوطني من أجل فلسطين والثورة الفلسطينية ومن أجل لبنان وطني موحد وديمقراطي ومن أجل القضية القومية في صفوف حزبهما الذي نذر نفسه لقضية هذه الأمة وفي ساحات النضال الفلسطيني المختلفة دون حساب أو منة ولم يكونا يتوقعان أن تهدر حياتهما على غير يد عدوهما الوحيد، العدو الصهيوني وحلفائه الداخليين الطائفيين.

كما يعتبر الحزب إقدام المسلحين على قتل ابنة شقيقة الأمين بشير عبيد الشهيدة ناهية بجاني ينم بما فيه الكفاية عن الدرك الذي وصلت اليه هذه الجماعة المسلحة.” 5

 

…وعن “قيادة قوات الردع العربية”:

“حوالي الساعة 13 من تاريخ 5/ 11/ 1980، ولخلاف على أفضلية المرور تلاسن شخصان كلاهما ينتمي لحزب من الأحزاب المحلية. فأطلقت النار وقتل أحدهما المدعو منير فتحة. بينما توارى القاتل الذي ينتمي لتنظيم آخر، فتسلمته قياداته الحزبية تمهيداً لتسليمه للمراجع المسؤولة والمعنية، الاّ أن ذوي القتيل أسرعوا في مهاجمة المبنى الذي اعتقدوا أنّ القاتل لجأ اليه. وذلك قبل تدخل القيادات الحزبية المعنية وأطلقوا على المنزل قذيفة صاروخية أدت إلى مقتل كل من السيدين بشير عبيد وكمال خير بك، وهما عضوان قياديان معروفان ويقطنان في إحدى شقق المبنى.

وبانتشار الخبرين الأول والثاني اللذين تلاحقا ضمن فترة وجيزة جداً، لم تتح خلالها فرصة للتدخل لأي من القوى الرسمية والقيادات المعنية، الشيء الذي أدى إلى استنفار في مكاتب الحزبين الذين ينتمي اليها المشتبكون، توتر الجو في المنطقة فتدخلت قوات الردع العربية وسيرت الدوريات الكثيفة والمؤللة، كما حثت القيادات المعنية على ضبط عناصرها والعمل على معالجة الموقف بمسؤولية وحكمة، وقد لاقت قيادة قوات الردع العربية تجاوباً كبيراً من المعنيين، وبدأت الحالة بالعودة إلى وضعها الطبيعي اعتباراً من الساعة 19 ولم تزل الدوريات مستمرة في مهمامها والقيادة عاكفة على انهاء الحادث وذيوله.” 6

 

 

…ورد الحزب:

“تعليقاً على بيان قوات الردع العربية أوضحت مصادر الحزب السوري القومي الاجتماعي أنّ لا صحة إطلاقاً بأنّ الشهداء المذكورين قد قضوا نتيجة قذيفة صاروخية أطلقها “المرابطون” على منزل الشهيد عبيد، لأن التشريح الطبي أثبت أنّ وفاة كل من الشهداء حصلت نتيجة إطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة تدل عليها أثار الحروق على جسدهم. (…) هذا يدل دلالة كافية عن الاسلوب الذي اتبع في تصفية الشهيدين خير بك وعبيد وابنة شقيقة الأخير.” 7

 

…وقالت “وفا” الفلسطينية:

عند الواحدة بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس وزعت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا المعلومات الآتية: “على إثر الحادث المؤسف الذي وقع اليوم واستشهد بنتيجته المناضلان بشير عبيد عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأحد أبرز الوجوه الوطنية المناضلة على الساحة اللبنانية، مع رفيقه المناضل كمال خير بك، وكان هذا بعد أن سقط الوجه النقابي المناضل منير فتحة.

اجتمعت القيادة اللبنانية الفلسطينية المشتركة بحضور الأخ أبو عمار، والرفيق وليد جنبلاط رئيس المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية، والأخوة قادة الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية.

وبعد الاجتماع قام المجتمعون بزيارة مقر الحزب السوري القومي الاجتماعي واجتمعوا برئيسه الرفيق إنعام رعد والرفاق قادة الحزب.  ثم انتقلوا إلى منزل الرفيق وليد جنبلاط حيث عقد اجتماع حضره الأخ سمير صباغ نائب رئيس مجلس قيادة حركة الناصريين المستقلين “المرابطون” وعدد من الأخوة قيادة الحركة.

واتفق في الاجتماع على أن تتولى اللجنة الأمنية العليا معالجة الموضوع بين الطرفين وبعد ذلك قام الأخ أبو عمار يرافقه الأخ “أبو الوليد” “والأخ أبو الزعيم” بزيارة الرئيس صائب سلام في منزله لمتابعة الموضوع. وقد استمرت الاتصالات مع قيادة قوات الردع العربية والمسؤولين في الحكومة، ونتيجة هذه الجهود قامت قوات الردع بإنزال قواتها إلى مناطق التوتر حيث تمت السيطرة على الموقف.” 8

 

… و “صباح الخير ـ البناء”: هكذا استشهد رفقاؤنا برصاص “الأخوة” اقتحموا المنزل بوابل من الرصاص واقتادوا الأمينين وصفوهما.

أوردت مجلة الحزب الخبر على الشكل التالي:

 لم يكونوا على الجبهة المواجهة للعدو “الإسرائيلي” حين صرعتهم زخات الرصاص المجرم.

ولم يكونوا على ذرى صنين يواجهون الفريق المتصهين الذي كشف عن وجهه وأعلن ولاءه للعدو. ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك سقط بشير عبيد وكمال خير بك وناهية بجاني صرعى برصاص وبسلاح أعطي لهؤلاء من أجل أن يحموا به الشعب ويدافعوا عن قضيته، ويصونوا كرامته.

ومهما تفذلكت وسائل الإعلام في صياغة وهمية مشوهة لرواية الجريمة، فإن الرأي العام لم يستطع أن يتقبل هولها، وفظاعتها. كيف يريدون أن يحتلوا الشوارع إذا كانوا بسياراتهم ويفوزوا بأفضلية المرور، كيف يعمدون إلى اقتحام المنازل واغتيال من فيها؟ كيف توجه بنادقهم إلى الذين وجهوا البنادق لصدور العدو في فلسطين وفي كل زاوية من هذا العالم؟ كيف؟ كيف يفعلون هذا؟ لعل المبرر الوحيد الذي اختبئوا خلفه عند صياغة خبر الجريمة أن تعرفوا على بشير عبيد بأنه كان عميد الدفاع في الحزب أثناء الثورة الانقلابية سنة 1961 – 1962 . ترى ما هو السبب الحقيقي. أم انه الاختباء خلف الأصابع؟ هذه هي الإفادة الأولى والفورية للمجرمين. أما ماذا حصل بعد ذلك وكيف جرت محاولات التمويه، فهذه هي الوقائع.

حوالي الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً من يوم الاربعاء الواقع فيه 5 تشرين الثاني الجاري وأثر حادثة فردية بين الرفيق سائق سيارة الشهيد الأمين بشير عبيد والمدعو منير فتحة على إحدى طرقات منطقة ساقية الجنزير والتي سردت عمدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي تفاصيلها في بيان صدر عقب الحادث، عمد فريق من “المرابطون” إلى القيام بعملية اقتحام مجرمة على منزل الأمين بشير عبيد والأمين كمال خير بك وناهية ابنة شقيقة الأمين بشير، أما تفاصيل الحادث فهي كالتالي: كان الأمين بشير عبيد في منزله يستحم وإذا بأصوات الرشاشات تدوي في الشارع باتجاه منزله فهرعت زوجته ونادته لتطلعه على ما يجري في الخارج. أخذ العجب من الأمين بشير مأخذه لأنه لم يكن يدري من الأمر شيئاً، فخرج من الحمام وارتدى ثيابه بسرعة وإذا به يتأكد بنفسه من صحة ما يجري.

وكانت مجموعة كبيرة من “المرابطون” بأسلحتها الرشاشة والثقيلة قد طوقت البناية حتى مدخلها الرئيسي مطلقة النار باتجاه الشقة الرابعة حيث منزل المغدور الشهيد بشير عبيد. لم يأبه الأمين بشير بالأمر بادئ ذي بدء، ظناً منه بأن المهاجمين أياً كانوا سيتوقفون عن إطلاق النار في حال تعرفهم إلى صاحب المنزل ولم يدر في خلده أنّ المهاجمين هم جناة يضمرون الشر بالمناضلين الأبرياء.

وبعد مضي ربع ساعة تقريباً على إطلاق النار في اتجاه البناية من الشارع والمدخل صعد المسلحون إلى مدخل الطابق الرابع وأخذوا يطلقون النار عشوائياً باتجاه باب المنزل.

في هذه الأثناء دب الذعر في قلوب سكان البنايات المجاورة كلها، وكان أن جاء الأمين كمال خير بك الذي يسكن في جوار الأمين بشير ليعاين ويستكشف ما يجري هناك وكان أن قدر له دخول منزل الأمين بشير على رغم كثافة النيران، فوجد الأمين بشير وعائلته في حيرة من أمر ما يجري دون أن يعلم أحد منهم السبب.

هذا وكان المسلحون الذين رابطوا على مدخل المنزل قد أبلغوا من هم في الداخل بأنهم جاؤوا ليتسلموا قاتل منير فتحة، إلاّ أن بشير عبيد أجابهم بأنه ليس عنده، وإنه ذهب إلى مكان ما حيث سيصار فوراً إلى تسليمه للعدالة من أجل التحقيق. وأخذ بشير عبيد يشرح لهم، أنه مقاتل مثلهم في سبيل قضية كبرى وأن الشهداء اللذين يتساقطون من هنا وهناك هم شهداء قضية واحدة وهدف واحد.

إنّ هذا الكلام كله لم ينفع فقد أصّر المسلحون على دخول المنزل فأطلقوا باتجاه الباب ثلاث قذائف بي 7 كافية لأن تنقلهم إلى الداخل مع أسلحتهم. عندها الأمين بشير كما ارتأى ذلك مع الأمين كمال بأن الخروج للمسلحين هو عمل منطقي إذ يكفي للمسلحين أن يتعرفوا على من هم في المنزل لكي ينصرفوا إلى حيث أتوا. وكان المسلحون قد قالوا للأمين بشير بالحرف الواحد “سلم نفسك تسلم، إننا نقسم بشرفنا … سنحافظ عليكم محافظتنا على نفسنا وأهلنا”.

وأمر المسلحون كلا من الأمينين بالخروج وأيديهما على الرؤوس ففعلاً بعد أن سلما سلاحهما فاقتادهما المسلحون على الدرج إلى أمام الشقة الواقعة في الطابق الثالث وهناك أطلقوا النار على الأمين كمال خير بك في رأسه وصدره فسقط على الأرض شهيداً، عدنها انتهرهم الأمين بشير عبيد وطالبهم بوعدهم والقسم إلاً أنهم ارتدوا عليه وأطلقوا عدة رصاصات استقرت في رأسه وصدره وبطنه، فسقط هو الآخر شهيداً إلى جانب صديقه ورفيقه. 9

 

كيف قتلوا الفتاة؟

في هذا الوقت كانت عائلة بشير عبيد قد لجأت إلى منزل أحد الجيران في البناية وكانت ابن شقيقته قد نزلت الدرج لترى ماذا حدث فاذا بها تروع بمنظر الجثتين المتضرجتين بالدماء، فصرخت ونزلت إلى أسفل البناية، وفجأة تلقفها المسلحون وجروها إلى مكان ما تبين بعد أنه مقابل فندق الكونتيننتال حيث أجهزوا عليها ونقلت من هناك جثة هامدة إلى مستشفى الجامعة الاميركية.

وفهم أن المسلحين كانوا قد أعطوا أسماءهم وصفتهم الحزبية عند هجومهم على المنزل كما فهم أيضاً أنّ القتيل منير فتحة لا علاقة له اطلاقاّ “بالمرابطون” وأنّ “المرابطون” قد انتصروا له لأسباب غير معروفة حتى الآن.” 10

 

…وافتتح رئيس الحزب إنعام رعد المجلة:

يصعب الكلام حين تكون الفاجعة أكبر من أن يعبر عنها بالكلام، وقد كان محسوباً كل حساب إلاً هذا الحساب. كان محسوباً أن تقتل رصاص انعزالية أو صهيونية الأمين الشهيد بشير عبيد وهو يقود معركة الجبل في حزبنا، أو يناضل على مدى ثلاثين عاماً في قيادات حزبنا، في مؤسساته من القاعدة حتى المؤسسة العليا.

وكان محسوباً أن تقتل رصاصة الأمين كمال خير بك وهو يضرب الأهداف الصهيونية والإمبريالية بالكفاح المسلح الذي بات علماً من أعلامه ورمزاً من رموزه، يضيء الشعلة في أشّد ساعات الظلام القومية ليبعث في المناضلين رجاء الطريق الوحيد إلى التحرير، طريق الكفاح المسلح.

ولو أنّ الشهيدين استشهدا في المواقع التي وهباها حياتهما لكان العزاء بهما أكبر، ولكان يوم مأتمهما هو عرس الشهادة التي ما اختلجت نبضة في حياتهما إلاّ من أجله.

لكن الفجيعة بالبطلين الشهيدين أكبر من أن يعبر عنها لأنه حيث أخطأ الرصاص الانعزالي ابن بيت شباب المناضل بشموخ الجبل ضدّ أخطبوط الفيتو الانعزالي، مؤمناً بوحدة شعبه وأرضه، رافعاً راية القومية الاجتماعية في وجه سرطان الطائفية، فإن رصاصاً آخر اصابه فاستشهد على غير ما كان يتمنى وبرصاص غير الذين واجههم بصدره على مدى السنين مشرعاً ذلك الصدر الأسمر بكل مخاطر بابتسامته الحلوة وصبره على المكاره سجناً واضطهاد تشريداً ونضالاً وكل ذلك لمجدك يا سوريا دون ملل.

إنّ الرصاص الذي مزق صدرك يا رفيقي الأمين بشير كاد يمزق، لولا الإيمان الذي زرعه في نفوسنا جميعاً أنطون سعاده، ذلك الرجاء الذي حملته في نفسك دون أن يدانيه شك بأن شعبنا كله أصيل وبأن الانعزاليين هم ظاهرة الشذوذ عن هذه الأصالة وبأن الجبل لن يكون للانعزاليين بل هو للوطنيين والقوميين، وأنّ هؤلاء ان اضطهدهم فيتو الانعزال وحاول تشريدهم واقتلاعهم فهم مغروسون في أرض هذا الوطن في كل رحابه، كما تغرس الفكرة المضيئة في الوجدان، أو كما يلمع الخاطر الألمعي في عقل متفوق.

أن يستشهد الأمين بشير عبيد في المنطقة الوطنية وبأيدي مجرمة أساءت لعنفوان القيّم التي ناضل بشير عبيد من أجلها بكل صدق حتى الاستشهاد، فتلك ليست خسارة رفيق قائد وأمين مناضل فحسب، بل هي طعنة موجهة لمصداقية الموقع الوطني وهي ربح مجاني أعطي لمشروع الكتائب في بناء دويلتهم على حساب المصلحة الوطنية والقومية. لقد كاد يغطي استشهاد بشيرنا القومي الاجتماعي على النحو الذي حصل فيه والملابسات التي أحاطته والأيدي التي غدرت به بشاعة جريمة بشير الجميل في عين الرمانة وفي استكمال حلقات الفيتو الانعزالي.

ولعل هذا المطلوب من ارتكاب مثل هذه الجريمة التي تأتي في وتيرة مستهجنة من الأحداث التي تحبل بها مناطق الفيتو الانعزالي ولكن ولادتها تكون دوماً عندنا.

وأن يستشهد الأمين كمال خير بك على النحو الذي استشهد به بأيدي قتلة مجرمين بعد أن عاد إلى حياته الطبيعية مطمئناً إلى المنطقة الوطنية وأمنها، وهو الذي عجز الأمن الصهيوني والامبريالي عن اصطياده، يوم كان يزعزع الأمن المعادي بضربات النضال الجسور المتحدي، فتلك مفارقة تقص كالسكين في الوجدان وتلسع كالسوط الذين تسببوا باغتياله وهو جريح ينزف، بل كل وطني يحمل شرف المواطنة وشرف هذه الأرض التي أحبها كمال خير بك شاعراً فغناها قصائده ومناضلاً صاغ من أجلها ملاحم نضاله وقومياً اجتماعياً آمن بها حتى الموت.

يا رفيقي الشهيدين الأمينين، قبلكم استشهد الكثيرون من حزبكم العظيم فكنا نقيم لهم الأعراس أما أنتما فلأول مرة تزيد على غصة الفراق غصة الظروف التي أحاطت باغتيالكما والتي تحمل حزبكما معاناة حميمية في مجموعة معادلات ومجموعة أولويات. هذا الحزب الذي لم يكن له قبل استشهادكما إلاّ وضوح المعادلات والأولويات.

فالمعادلة الأولى التي يواجهها حزبكم وهو الذي كان أميناً في مسيرة الخمس سنوات الملحمية النضالية الأخيرة لكل أصول وموجبات التحالف والذي غلب الموقف الجبهوي على كل التناقضات في وجه المؤامرة هي أن يسأل: ترى هل تستطيع المؤامرة أن تنفذ عبر هذا الموقف بالذات؛ وكيف يمكن التصدي لها لمنع زعزعتها؟ هذا الرهان الذي كان جزءاً أساسياً من خطة الحزب في المرحلة الأخيرة.

والمعادلة الثانية هي: هل نستطيع كحركة وطنية أن نكون بالممارسة لا بالكلام البديل الحقيقي عن مشروع الجبهة الانعزالية ومشروع الكتائب المتصهين؟

وهل يمكن للبديل إلاّ أن يحمل مثالاً يكون رجاء للناس، وهل أن استشهاد الأمينين بشير وكمال يمكن أن ينسجم مع هذا المثال الوطني والقومي البديل عن المشروع الإنعزالي!

أما الأوليات فلوقفة التدقيق هذه، التي لا يمكن متابعة المسيرة إن لم تطرح كل هذه التساؤلات ولا نكتفي بطرحها بل تقدم الأجوبة الصريحة المسؤولة عنها كلها.

لقد كان دوماً إيماننا أن العمل الجبهوي لم يقتصر على البرنامج الإصلاحي المرحلي للحركة الوطنية، بل تخطاه إلى أخوة في الخندق القومي والتقدمي، هي بالممارسة تخطت النص المكتوب.

فإذا ما انقلب النص إلى طموحات تنقضها الممارسات كان ذلك مصدراً للخلل الكبير.

وإذا أصبح اللقاء الجبهوي الذي حملنا رايته على مدى السنوات الصعبة وقبلنا في ظله – ونحن نواجه المؤامرة – أن يسقط لنا مئات الشهداء وأن تحترق مناطقنا وتدمر لتسلم القضية ولينقذ شرف الوطن واعتبرنا ذلك كله انتصاراً في صميم الشعب وفي صميم وجدانه فماذا نقول متى شاب هذا العمل الجبهوي الذي استحق كل هذا العطاء مثل هذا الخلل الكبير الذي لا يمكن تجاوزه بالكلام الجميل بل بالفعل الذي يمسح أثار الجريمة النكراء، وبالممارسة المسؤولة التي تطوي وصمة العار التي تظلل الجباه بدل أن يكللها سواد الحزن الذي يرتفع في المآتم ولكن يخترق بريق الشهادة.

وداعاً يا بشير الذي لم تباعدنا أيام النضال الطويلة لا في السجن وقد كنا متجاورين ولا في قيادة هذا الحزب وقد كنا متفاعلين، واذكرك في ليلة غطاها القصف من كل جانب، وكنا نعود من طريق الحرش عبر شاتيلا، كيف كنت تقهقه وأنت تروي ما يضحك وبركان الحرب منفجر حولنا، وأذكرك تروي الشعر الذي لم تنشره لتعبر عن أحاسيس شفافة كانت تغطيها أحياناً عبسة ذلك الجبلي الذي قد من سنديانة عتيقة في الجبل.

وداعاً يا كمال، يا قدموس، وقد كنت تحلم حلم الشعراء وتتجاوزهم إلى حلم المستقبل الكبير، فاذا قصيدتك التي صغتها ملحمة أين منها كل ملاحم الشعر، تلك التي تبارت قصائدها لا أبياتاً من الشعر بل عمليات في عمق العدو تخطه ملاحم البطولة لشعبنا ومفاخر النضال القومي لحزبنا.

ويا رفقائي، لقد كتب علينا أن نحمل الآلام الكبرى، لا لننوء تحت وطأتها بل لتحفزنا لمزيد من النضال.”   11

يوم التشييع

الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم. ولن ينتهي بطلان ووردة…

قدمت مجلة الحزب صباح الخير ـ البناء لخبر يوم التشييع على الشكل التالي:

بيروت الوطنية، لبت دعوة الحزب السوري القومي الاجتماعي والحركة الوطنية وشاركت في تشييع شهداء الحزب الأمينين الشهيدين بشير عبيد وكمال خير بك والشهيدة ناهية بجاني.

فمنذ الصباح، بدأت الوفود الحزبية والشعبية تتوافد إلى باحة مستشفى الجامعة الأميركية للمشاركة في نقل الشهداء الثلاثة. وقد اصطف القوميون الاجتماعيون صفوفاً نظامية متأهبون لتأدية التحية للشهداء، وكانت قوات الردع العربية تقوم بالحراسة تنفيذاً لقرارات اللجنة الأمنية العليا.

في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر السبت في 8 تشرين أول 1980، وصل رئيس الحزب الأمين انعام رعد وآل الشهداء، فأدى القوميون الاجتماعيون تحية السلاح.

وسار موكب التشييع من مستشفى الجامعة الأمريكية إلى كنيسة الوردية في شارع الحمراء، حيث أقيمت الصلاة عن روح الشهيد عبيد والشهيدة ناهية. وقد ترأس الصلاة الأب فيليب نجم وحضر القداس الاحتفالي النائبان فؤاد لحود وألبير مخيبر، ووفد يمثل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد ترأسه المدير العام للإفتاء الدكتور حسين القوتلي مع وفد من المشايخ والعلماء.

كما حضر قادة الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية الأخوة والرفاق: أبو إياد، جورج حاوي، محسن ابراهيم، أبو ماهر اليماني، بسام أبو الشريف، طلال ناجي، فضل شرور (أبو فراس)، عبد الرحيم مراد، حكمت العيد، سعدالله مزرعاني، هاني فاخوري، عمر حرب، محمد قباني، عصام نعمان ، فؤاد شبقلو، توفيق الصفدي، محيي الدين آغا، وضابطان من قوات الردع العربية هما الرائدين نور الدين وبهيج محمد محو، وممثلون عن اتحادات الكتاب اللبنانيين والفلسطينيين والشاميين واتحاد الكتاب العرب، ورجال الفكر والإعلام  والصحافة والهيئات النقابية والشعبية والشخصيات السياسية والرسمية والحزبية ، وحشد كبير من المواطنين قدر بحوالي سبعة آلاف شخص. 12

  والأمين انعام رعد بكى وأبكى!:

رفقائي في قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي

رفقائي أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي

رفاقي في قيادة الحركة الوطنية اللبنانية

رفاقي وأخوتي قيادة المقاومة الفلسطينية

يا آل الشهيدين

يا جمال وجلال وهلال

يا أسعد، يا عفيفة يا أخت الرجال

يا جوزيف

يا نجاة ويا خزامى

خمسمائة شهيد ونيف من رفقائنا سقطوا في السنوات الخمس هذه. كنا نقيم لهم الأعراس والأفراح ونهلل.

ولكني اليوم بالدمعة في عيني والغصة في حنجرتي، أبكوا معي أيها القوميون الاجتماعيون. أبكوا، لأن بشيراً لم يسقط وهو يقود معركة الجبل ضد الانعزاليين، أبكوا معي لأن كمالاً لم يسقط وهو يدمر أهداف الصهيونيين.

أبكوا لأن ناهية شردت من بيت شباب، ناهية الشريدة لأنها تصدت للانعزاليين، ناهية الشهيدة في المنطقة الوطنية.

أبكوا معي، أبكوا بالأمس منعوا دق أجراس الحزن في بيت شباب، منعوا الحزن عليك يا ناهية، واليوم أنت شهيدة يا شريدة بيت شباب.

ماذا أقول لك يا رفيقي الأمين بشير؟  يا رفيق المسيرة الطويلة، يا أخي وحبيبي، ماذا أقول لك وصوتك يلعلع بالابتسامة والاعتزاز، وأنت تخرج من يد الجلادين من سجن المير بشير؟  ماذا أقول لك أيها القائد الذي لم تهتز لك قناة يوم تصديت للنظام على رأس قوة حزبك، التي أرادت النظام الجديد الذي يسقط نظام الطائفية والإقطاع في لبنان، على هدى الثورة القومية الاجتماعية الأولى التي أعلنها القائد سعاده.

ماذا أقول لك يا رفيق القرنة في السجن الطويل؟ ماذا أقول لك يا رئيس مجلسنا الأعلى في أحلك الظروف وأصعبها؟ ماذا أقول لك أيها المناضل يا قائد معركة الجبل في حزبنا؟ وعينك على الشوير، وعينك على بيت شباب تتصدى للمشروع الانعزالي بصدرك الذي مزقه رصاص المجرمين في المنطقة الوطنية.

وماذا أقول يا كمال؟ يا قدموس، يا شاعراً في مطلع الستينات وأديباً ومفكراً وجامعياً متفوقاً. ترك العلم لأنه آمن بقول سعاده. بأن الحق القومي لا يكون إذا لم ندحره في معارك الفصل والمصير.

ماذا أقول لك وأمن الصهاينة لم يستطع أن ينال منك. تتحدى الامبرياليين والصهاينة في قلب أوروبا. تدمر أهدافهم وتعود مطمئناً إلى أمن المناطق الوطنية لتستشهد هنا.

ماذا أقول لحزبنا؟ حزب الرجال والشجعان والأبطال.

ماذا أقول؟ أأقول أن العجز كبلنا ونحن الذين يدنا طالت الصهاينة في عقر دارهم؟ ماذا أقول لهم، أأقول لهم أنً رهاننا على العمل الجبهوي كان سبب الخسارة يا بشير؟ أأقول ذلك وأنا أحد نواب رئيس الحركة الوطنية اللبنانية ومن مؤسسي مجلسها السياسي المركزي. ماذا أقول؟ أأكفر بالعمل الجبهوي وقد كنت في الحزب من بُناتِه وأعطيناه كل شيء ونعطيه كل شيء.

يا رفيقيّ، يا رفيقتي الشهيدة.

لقد قال البعض بأن غضب القوميين الاجتماعيين كان كبيراً، لكن ثقوا أن هذا الغضب حجم وحجم وضبط وضبط من القيادة ومن الصفوف معاً، لأن خسارة بشير وكمال وناهية كانت أكبر، أكبر كثيراً من الغضب. لقد حجم لأن وعي القوميين الاجتماعيين وقيادتهم امتدت إلى ناحيتين: إلى الأمن القومي الذي نحرص عليه، ولأننا ما أردنا إلا أن تأخذ قوات الردع العربية مكانها لحفظ هذا الأمن. ولأننا منذ الأساس لم نقم، وكنا دوما ضد الأمن الذاتي، ولأننا، من ناحية ثانية، أدركنا اللغم الذي يريد تفجير المنطقة الوطنية. هذا اللغم الذي يمتد إلى المناطق الوطنية، كما انفجرت في منطقة السيطرة الانعزالية، أردنا أن نعطل اللغم ولو بأجساد شهدائنا، هذا هو الذي ضبط القوميين الاجتماعيين: الأمن القومي ونزع فتيل التفجير والمؤامرة، ولا شيء غير هذا الوعي العالي جداً ضبط القوميين الاجتماعيين، الذين استهولوا الجريمة النكراء.

أقول ما تعرفون جميعاً بأن الفتنة أشدّ هولاً من القتل، ولقد بلغنا القتل يقع على قائدين من كبار قادتنا، ولكننا لن نقبل الفتنة، لا، وأشكرك يا أخي أبا إياد لأنك نددت بأبواق الفتنة التي تعبث، أشكرك يا أخي، أشكرك والثورة الفلسطينية لم تكن يوماً طائفية ولا إقليمية، هي ثورة طليعية للقضية القومية كلها وإلا لا معنى لها. وهي ثورة أرادت أن تقيم فلسطين الديمقراطية العلمانية وليس فلسطين زواريب الطائفية. أشكرك لأنك أدركت ما نعاني. واللذين قالوا بأننا غرباء، نعم، نعم نحن غرباء عن كل فيتو طائفي. نعم، نعم ناهية غريبة عن بيت شباب المحتلة من الكتائب، فلا تجعلوها غريبة في المناطق الوطنية، حركة الشهيد القائد كمال جنبلاط، حركة البرنامج المرحلي الإصلاحي، حركة العلمانية حركة اسقاط الطائفية.

نعم، نعم لهذا حزب انطون سعاده العلماني القومي الاجتماعي انضم إلى هذا العمل الجبهوي المشترك ولم ينضم إلى تجمعات طائفية.

لنا فهمنا للإسلام:

نعم، نعم نحن لنا فهمنا للإسلام، فهمنا الذي عبر عنه انطون سعاده وقال: كلنا مسلمون لرب العالمين، منا من أسلم لله بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالانجيل، ومنا من أسلم لله بالحكمة. لقد وحدنا الإسلام وأيد كوننا أمة واحدة ولا يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا إلاً اليهود،” فإلى اللذين يريدون الإسلام مفرّقاً نقول لهم، الإسلام جامع وموحد وعلى هدي الإسلام الجامع والموحد يتمسك القوميون الاجتماعيون بالإسلام والقضية.

نعم، نعم هذا هو إسلام ابراهيم، إسلام أهل الكتاب، ولا إسلام إلاً هذا الاسلام الذي بشّر به القرآن الكريم.

نعم، نعم نقول لهم ما ذنبنا إذا كنا لم نقتصر على منطقة أو حي، وإذا كان حزبنا قد امتد في الأمة كلها، هذا فخر وليس هذا عيباً.

أقول لكم نحن نرفض المناطق المغلقة، لأننا حزب عقيدة وفكر وحوار، ونحن لا نضيق ذرعاً بأي تنظيم لأننا نؤمن بالصراع الفكري والسياسي والديمقراطي نشأنا حزب عقيدة، نحن لسنا حزباً طارئاً، نحن حزب أصيل، نحن حزب نصف قرن من الجهاد في سبيل الفكر والعقيدة والشعب، وحدة الشعب ووحدة الأرض، ونحن لا يمكن أن نقول أن هذه المنطقة لنا وتلك لغيرنا، ولكننا نقول بأن المناطق والشعب ليست بإرهاب القرار، ولا بإرهاب البندقية، بل الحاجز الحقيقي لا يكون حاجز السلاح، ونحن ضدّ المظاهر المسلحة وضدّ حواجز السلاح، ونحن مع حاجز الثقة، نحن مع حاجز المناقب، نحن مع حاجز إيمان الشعب، هو الذي يشكل الحاجز وهو الذي يشكل الطريق.

الحركة الوطنية حريصون على وحدتها، حريصون على تلاحم صفوفها. ولكن الحركة الوطنية مدعوة أن تقف وقفة تأمل عميقة بعد الذي حصل، فالذي حصل ليس حدثاً عابراً بل هو يستحق هذه الوقفة العميقة والموضوع ليس اغلاق المكاتب، فهذا شكل، نقبل كل ما تقرر مؤسسات العمل الجبهوي، لكننا يجب أن ننطلق لإغلاق الشوائب، لتطهير صفوفنا من الشوائب في المعركة الوطنية. نحن لا نريد ان نثأر كحزب، ولذلك سلمنا اللجنة الأمنية العليا أمر مقاضاة المجرمين، لأننا لم نزل نعطي الفرصة لمؤسسات العمل المشترك. ساعدوا بإنزال العقاب الصارم بالمجرمين، من قبل اللجنة الأمنية العليا لأننا نعطي هذه الفرصة، ومنذ اللحظة الأولى أعطيناها ومستعدون ان نلتزم بها، ولكن ساعدونا على ذلك.

الحركة الوطنية مدعوة أن تكون قاسية وحازمة على الشوائب، على البندقية التي لا تسيس فتسيب، ونحن ضد ذلك كلياً ومع كل تدبير ضد تسييب البندقية. ونحن أيضاً مع حركة كمال جنبلاط العلمانية التقدمية التي لا يمكن أن تحتضن التناقضات الطائفية أو الأقليمية. بهذا نستطيع أن نحفظ وحدة الحركة الوطنية. وأن نحفظ تنزه الحركة الوطنية عن الشوائب. إنً الشهداء الذين سقطوا يهيبون بنا إلى هذه الوقفة المتأملة

وأنتم يا رفقائي، أيها القوميون الاجتماعيون، أدركوا كم كان الجرح بليغاً ولم يزل وسيستمر، وثقوا أنً قيادتكم تعاني أكثر مما تعانون، ثقوا أن قيادتكم في أوج جلجلة الألم. ثقوا أن قيادتكم تشعر بهول العبء الذي تتحمل. وهي تتوجه اليكم بأن تكونوا كما كنتم دائماً، حزب المؤسسات، حزب النظام، حزب القضية القومية، حزب أنطون سعاده الذي دعاكم إلى أن تحملوا هموم القضية لا هموم حزبكم ولا هموم أشخاصكم، والذي دعاكم بالقول المأثور: “وأن أنسى جراح نفسي النازفة لأضمد جراح أمتي البالغة.”

سنبقى في موقع النضال ولن يزعزعنا عن إدراك مسيرة النضال أي شيء. لأننا ندرك أن المؤامرة تريد أن تزعزعنا عن هذا الموقع. لذلك سنعطل فتيلها، ونعطل تفجيرها وسنلتزم أعلى درجات الانضباط. 13

وباسم “الحركة الوطنية اللبنانية” أجاد أمين عام منظمة العمل الشيوعي في لبنان محسن ابراهيم العزاء:

باسم الحركة الوطنية اللبنانية في كل فصائلها واحزابها وتنظيماتها، بكل قياداتها ومقاتليها ومناضليها، نتوجه بتحية الإكبار والاعتزاز والحب والفخر والتقدير إلى الشهيدين الرفيقين المناضلين بشير عبيد وكمال خير بك، ونقول لكم بكل الصدق أنّ القائدين اللذين سقطا ليسا شهيدي الحزب السوري القومي الاجتماعي أكثر مما هما شهيدا الحركة الوطنية اللبنانية كلها أولاً وأساساً، وليس في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية من لا يعرف مدى الخسارة الفادحة التي ألمت بكم وبنا نتيجة استشهاد بشير عبيد الذي عرفناه وزاملناه حين كنا معا في أعالي جبل صنين، قائداًمقاتلاً عنيداً واقفاً وقفة الرجل الشجاع دفاعاً عن وحدة لبنان وعن عروبة لبنان وعن الديمقراطية في لبنان.

وليس بيننا من لا يدرك فداحة الخسارة بفقد الأديب المقاتل الشاعر كمال خير بك الذي استوطن البندقية ووهب نفسه للقضية، لكنكم ونحن معكم مدعوون جميعاً إلى الارتفاع اليوم فوق الجراح، مدعوون اليوم جميعاً إلى أن نقف وقفة محاسبة صارمة لأنفسنا لعل هذه المحنة التي أصابتنا تعطينا من الدروس ما يجعلنا جديرين بقيادة هذا الشعب الذي ما زال يعطي منذ عشر سنوات، يعطي ويعطي بلا حساب وهو لم يبخل ولن يبخل لكنه يرفض كما نرفض أن تهدر الدماء الوطنية مجاناً.

حقائق يجب الا ننساها

أيها الأخوة، أيها الرفاق،

نقف اليوم لنؤكد جملة حقائق، أولى هذه الحقائق:

أننا لا نستطيع أن ننسى لحظة واحدة أن العدو الرئيسي الذي يواجهنا هو المشروع الانعزالي المدعوم “إسرائيلياً” والمجاز أميركياً والذي بدأ يدق بدويلة الكتائب الفاشية باب المعاقل الوطنية والمناطق الوطنية، كما لا نستطيع أن ننسى لحظة واحدة أننا لا يمكن أن ننساق وراء أي تناقضات جانبية، وأنّ وعينا وبصرنا وقلبنا يجب أن يبقى مشدوداً دائماً وأبداً إلى التناقض الرئيسي الذي نحتل نحن فيه موقع الدفاع عن لبنان وعن مصير لبنان. ولا نستطيع أن ننسى لحظة واحدة أنّ العمل الجبهوي المشترك هو طريق خلاصنا جميعاً، وأنّ وحدة الحركة الوطنية اللبنانية قدر مفروض علينا جميعاً شئنا أم أبينا، بها نبقى ومن دونها نفنى ونزول. ثم يجب أن تكون لدينا شجاعة الاعتراف بالخطأ، شجاعة الاعتراف بأن خللاً خطيراً يقوم اليوم بيننا وبين جماهيرنا وأن المسؤول عن هذا الخلل الخطير ليست الجماهير. المسؤول نحن. المسؤول هو القيادات. وأننا إذا لم نبادر إلى معالجة هذا الخلل الخطير فإننا سنفقد موقع القضية الوطنية تحت وطأة تجاوزات يحسبها بعضنا مكاسب ومواقع، لكنها تشكل مقتلاً للعمل الوطني اللبناني كله.

لقد أكدنا خلال الأيام القليلة الماضية أن باستطاعتنا أن نقف وقفة شجاعة فنضبط أنفسنا ومقاتلينا وشارعنا الوطني، ولقد وعدنا بالأمس بأن الحركة الوطنية لن تقف عند هذ الحد، وأنها ستتابع الطريق من أجل تنظيم أوضاع المناطق الوطنية وصون أمن مواطنيها وسلامتهم، من أجل أن تكون هذه المناطق معاقل للأحرار وليس موئلاً لارتكاب المخالفات والتجاوزات. ونؤكد اليوم أننا على هذا الطريق ماضون. ولا يفوتنا أن نقول في هذا المجال كلمة في وجه تلك الأصوات التي ترتفع اليوم وينعق أصحابها من مستغلي هذه المحنة التي نمر بها ليصفونا، ليصفوا الحركة الوطنية بكل فصائلها بأنها دكاكين مسلحين. أن هذا الوصف ليس موجهاً إلى طرف واحد فحسب، أنه موّجه إلينا جميعاً، إلى المرابطين والقوميين، والشيوعيين والاشتراكيين والبعثيين وكل الناصريين. نقول لهم: إذا كنتم تحسبون قسوة جماهيرنا علينا اليوم تعطيكم الفرصة من أجل تطلوا برؤوسكم وتستعيدوا شعاراتكم العفنة، فان جماهيرنا تقسو علينا لأنها تعتبرنا قيادتها ولا تلتفت اليكم لأنها أسقطتكم من الحساب منذ زمن بعيد. نقول لهم ايضاً أنّ التباكي على بيروت، لا يحق لمن هرع بعد مجزرة السبت الأسود كي يرتب موعداً مع بيار الجميل وهو يزحف على بطنه، بينما كان العشرات من المرابطين والقوميين والشيوعيين والاشتراكيين يقاتلون من أجل حماية الجامع العمري الكبير وكنيسة الوردية من أن تدنسها القدم الهمجية.

أيها الأخوة، أيها الرفاق، أيها القوميون الاجتماعيون، نحن واثقون تماماً أنكم لن تكفروا، إنً كل الحملة التي يجري اصطناعها اليوم ضدنا جميعاً، ضدّ كل القوى الوطنية، لن تكفركم كما لن تكفرنا، واثقون من أنكم ستظلون كما كنتم حزباً رئيسياً مقاتلاً في الصفوف الأمامية من الحركة الوطنية. وإليك أيها الرفيق العزيز الصديق الشهيد بشير عبيد، وإليك أيها الأديب الشاعر المقاتل كمال خير بك، تحية الحب والتقدير والتخليد من كل مقاتلي الحركة الوطنية اللبنانية. 14

 وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” أبو إياد ما قصر بالبكاء:

أخي ورفيقي الاستاذ إنعام رعد، إخواني في قيادة الحزب القومي، إخواني قيادات الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، ماذا أقول في هذا اليوم، من حقنا جميعاً أن ندمع على بشير عبيد وعلى كمال خير بك والشهيدة ناهية. من حقنا جميعاً أن ندمع ونبكيهم في هذا اليوم على الرغم أننا لا نبكي شهداءنا، على الرغم أننا لم نتعود إلاّ أن نستقبل شهداءنا بالزغاريد ولكن في هذا اليوم بالذات، نبكي على أنفسنا، نبكي على ما وصلنا إليه، نبكي لأن بشير عبيد وكمال خير بك وناهية كانوا يتمنون أن يموتوا من أجل القضية التي نذروا أنفسهم لها، كانوا يتمنون أن يستشهدوا من أجل فلسطين، من أجل لبنان العربي الواحد. كانوا يتمنون أن لا يسقطوا برصاص غادر لئيم. إننا نعرف أن الثورة هي الوفاء. ونحن أوفياء. لم نتعلم الغدر ولم نتعلم الجبن ولم نتعلم القتل الجبان. من هنا أقول انه من حقنا أن نبكي اليوم، من حقنا أن نحزن على أنفسنا، أن نبكي أنفسنا وأن نقف وقفة جادة قبل أن ننسى الشهداء، أن نبكيهم حتى نتعلم جميعاً درساً واحداً.

هذا الدرس هو أنّ بشير عبيد وكمال خير بك كانا يتمنيان أن يموتا على أرض المعركة، أن يموتا من أجل القضية، لا أن يموتا في الشوارع. هذه الميتة التي لا يرجوها أحد، ولا يتمناها أحد، كما نعرف معنى أن يموت بشير عبيد على يد بعض الجبناء، وبعض المتحالفين والخارجين عن القانون.

أيها الأخوة والأخوات

ماذا أقول عن الشهداء، ماذا أقول عن بشير عبيد الذي عرفناه، قد فتح قلبه لنا، وفتح عقله لنا من أجل قضيته ومن أجل قضيتنا الواحدة، نزع عنه كل ما له علاقة بالطائفية، ونسمع الآن نعرات طائفية تسمي المناضلين غرباء، لا إن الغريب هو الذي لا يحمل البندقية ولا يحمل السلاح ولا يناضل من أجل قضيته، من أجل وطنه. إنّ الغريب هو الذي لا يحمل البندقية بشرف ويقاتل كما قاتل بشير عبيد إلاّ إذا كان الغريب في مفهوم بعض هؤلاء الذين استغلوا الحادث هو بشير عبيد وكمال خير بك وإنعام رعد فنحن أول هؤلاء الغرباء.

ليسوا غرباء، إنهم أهل هذا الوطن، إنهم أهل بيروت والجبل وأهل العرب. من هنا نحن نقول لهذه الأصوات التي تنبح في كل مكان، محاولة أن تستغل الحادث، نقول لهم أنّ بشير عبيد وكمال خير بك والشهيدة ناهية، الآن ينادون علينا جميعاً ويصرخون فينا جميعاً الوحدة، الوحدة، الوحدة في الحركة الوطنية، الوحدة والتلاحم بين الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية. إنّ دمهم يقول لنا مزيداً من الوحدة حتى لا تخرج علينا هذه الأصوات الكريهة التي تصفكم وتصفنا بأننا غرباء والتي تحاول من خلال المنابر الشريفة، من خلال الجوامع، من خلال استغلال الاسلام، يحاولون أن يدنسوا كل المعاني الطيبة. إننا نسمع صوت بشير عبيد وكمال خير بك، أعداؤنا معروفون، الصهاينة أولاً وعملاء الصهاينة ثانياً وكل ما له علاقة بالصهاينة ثالثاً.15

 

وباسم العائلتين المفجوعتين شكر جوزف سبعلي ووصَّف الشهداء:

كانوا إنساناً واحداً عاشوا معا ناضلوا معاً وكانوا معا حتى لحظة الاستشهاد.

أيها الأخوة والأخوات، أقول باسم الشهيدين وباسم الشهيدة الصغيرة، نحن بحاجة إلى وقفة بشير وكمال، حملا دمهما على كفيهما وهما في العشرين من عمرهما وغنيا فلسطين شعراً وأدباً حتى استشهادهما. وستبقى كلماتهما تهدر في كل جبالنا وسهولنا وتتردد على شفاه أطفالنا فتعلمهم أناشيد العودة وأمثولات في البطولة والكفاح.

حملا القلم بكف والبندقية بالكف الآخر، قاتلا في سبيل القدس وحيفا ويافا والجليل وكل بلادنا الجريحة، يحدوهما الأمل بغدٍ مشرق يطلع من فم البنادق الثائرة.

قاتلا لكي لا يكون لبنان وكراً للتجسس ومرتعاً للتآمر، بل عريناً للرجال وموطناً للشرفاء الأحرار .

قاتلا في سبيل وحدة الحركة الوطنية وكل الوطنيين، وستبقى رفاتهما رمزاً لوحدتنا جميعاً ومشعلاً للتلاحم والتعاون .

كانا سيفاً من سيوف الحق وهما خالدان بخلود الحق في ضمير أمتنا إلى الأبد .

أما ناهية ابنة الاثنين والعشرين ربيعاً، هذه الطاهرة المخلصة لم يعرف الحقد دربه إلى حياتها، فقلبها يطفح بالحنان ولا يتسع إلا للمحبة.

قتلت لأنها ضمت خالها الأمين بشير والشهيد كمال إلى صدرها بعد استشادهما وحاولت لملمة جراحهما بيديها الناعمتين.. وقلبها الطافح بالمحبة.

إنّ قطرات الدم التي سقطت من الشهيدة ناهية من منزلها إلى الروشة حيث وجدت مرمية جثة هامدة، ستبقى منارة تهدي شعبنا إلى طريق الأخاء والمحبة، وتستنهض الهمم لمزيد من التضحية والتضامن.

إنّ الشهداء الثلاثة التحموا في أرض الوطن، فأمتدوا على امتداده وصاروا جزءاً من الوطن.

فنم قرير العين يا بشير فكل أبناء الوطن سيكونون أبناؤك في المستقبل.

ونم قرير العين يا كمال ولا تخف على هشام وزياد لأن الوطن بأسره سيكون لهما.

ونامي قريرة العين يا ناهية، فأنت العروس مجلية في ثوب الزفاف تزوجك الوطن، وستبقين إلى جانبه وتخلدين بخلوده.

إنّ شهداءنا كانوا مناضلين أبطالاً محبين مخلصين لعائلاتهم وأولادهم.

فكان الشهيد بشير مثالاً للأخ المخلص لأخوته والانسان المحب لكل من عرفه من أصدقائه.

وكان كمال مثالاً للأب الحنون العطوف عين على عائلته وطفليه زياد وهشام، وعين على أخوته وأهله الذين أبعدته عنهم ظروف النضال.

أما ناهية فكانت تتدفق حناناً ومحبة ما صحت يوماً إلاّ وعلى لسانها اسماء أخوتها الثلاثة منير وغازي وعوض، الذين هاجروا مع بداية الحرب واستشهدت ولم تشفي غليلها برؤياهم.

كانت تغمر منزل عائلتها بالعطف والتضحية حتى لحظة الشهادة، وكأنما تريد أن تزودها بفيض حنانها لمئة عام بعد الفراق.

إنّ الشهداء الثلاثة هم أكاليل غار سنرفعها فوق منازلنا إلى الأبد.

فباسم آل الشهداء أقدم بتحية شكر لقادة المقاومة الفلسطينية على مشاركتهم لنا في مصابنا، وأملنا أن نسكب دموع الفرح في اعياد النصر الآتي.

وتحية شكر أيضاً لقادة الحركة الوطنية ورجال الدين، كما نشكر كل الذين شاركونا بألمنا، وأملنا أن نبادلهم جميعاً في أيام الفرح والبهجة. 16

هكذا انتهت حياة بشير مع صديق عمره كمال…

كانت علاقة بشير مع شقيقته عفيفة وأفراد عائلتها علاقة الأخ والظل والولد المدلل، أحبته عفيفة حباً يضاهي حب الخنساء لأشقائها، ولم تكتب فيه قصائد الرثاء، وكأنها عزّ عليها أن يكون وحيداً في رحلته إلى العالم الآخر، فأهدته واحدة من قصائد بيتها الجميلة، وهكذا عانقت ابنتها ناهية الصبية المُحِبَّة خالها لتغفو إلى جانبه في نوم أبدي.

“نسي معظم الناس المكان الذي دفن به الشهداء الثلاثة، لكن الثوار لم ينسوا التراب الذي احتضن رفاقهم، ففي “نهار الثلاثاء السادس من تشرين الثاني عام 2001 أحيت حركة «الوفاء للأرض» ذكرى كمال خير بك وبشير عبيد وناهية بجاني، وذلك في مدافن شهداء فلسطين في بيروت، ووضع الحضور أكاليل من الورود على أضرحة الشهداء ومنها إكليل ورد من المناضل الثوري «كارلوس» المعتقل في السجون الفرنسية، مهدى إلى كمال وبشير وناهية.

 لقد قال كمال جنبلاط لبشير: زعيمك تخطى الحدود فقتلوه… وعاد بشير فقال لكمال جنبلاط، أنت ايضاً تخطيت الحدود فقتلوك… وكان سعيد تقي الدين قد قال قبله بغضب لغسان جديد ما معناه أنك تخطيت الحدود فقتلوك… ونحن نقول لبشير وكمال، وانتما أيضاً تخطيتما الحدود، فقتلوكما، لكننا نعاهدكم أننا سنبقى نتخطى الحدود…” 17

 

المراجع

1 ـ من مقابلة عفيفة عبيد

2 ـ من مقابلة خزامى قاصوف

3 ـ من مقابلة الدكتور سمير صباغ

4 ـ من مقابلة خزامى قاصوف

5 ـ مجلة صباح الخير – البناء العدد 271، ت: 8/11/1980

6 ـ المصدر السابق

7 ـ المصدر السابق

9 ـ المصدر السابق

10 ـ المصدر السابق

11 ـ المصدر السابق

12ـ مجلة صباح الخير ـ البناء العدد 272، ت: 15/11/1980

13 ـ المصدر السابق

14ـ المصدر السابق

15ـ المصدر السابق

16 ـ المصدر السابق

17 ـ من كلمة د. ميلاد سبعلي في ندوة جمعية حق وخير وجمال

أضف تعليق